أكد الدكتور محمود محى الدين الخبير الاقتصادي في محاضرة له ولأول مرة عبر الإنترنت، بالتعاون مع المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، مساء أمس السبت، بعنوان: "الاستعداد للواقع الجديد" أن الاقتصاد العالمى دخل بالفعل مرحلة الركود، طبقا لإعلان صندوق النقد الأسبوع الماضى، فبعد أن كانت التقديرات تشير إلى تحقيق نمو للاقتصاد العالمى نسبته 2.6% ، سيتحول النمو إلى -1.5%.
وأشار إلى أن الأسواق الناشئة متوقع أن تحقق نموا إيجابيا نسبته 1%، ولكن قياسا إلى متوسطات الدخول المنخفضة مع النمو السكانى المرتفع في هذه الدول، فإن هذه النسبة تعدا نموا "سيئا للغاية"، ومن المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو يتراوح بين 1 – 3.3% وهو أمر غير مسبوق على الإطلاق على مدار تاريخ وجودها، وهو ما يشير إلى أننا في مشكلة كبيرة بالفعل.
وطبقا لمنظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر سوق العمل ما بين 5 – 25 مليون عامل حول العالم، وأوضح محى الدين أن هذه التوقعات كانت مقدرة قبل الإعلان رسميا عن دخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود، وهو ما يعنى أن هذه الأرقام مرشحة للتزايد.
وتحدث محى الدين عن وجود حجم ضخم من العمالة غير الرسمية في مصر، وطالب بوجود نظام لدعم البطالة، وهو نظام الدخل الأساسى الشامل الذى تطبقه عدد من دول العالم حيث يحصل الشخص بمجرد خروجه من التعليم على دخل أساسى أيا كانت قيمته، لحين حصوله على فرصه عمل.
وقال محى الدين، إن هناك عالم جديد يتجه نحو الشرق، وذلك حتى من قبل الأزمة الحالية، وازداد هذا الاتجاه بعد الأزمة، والشرق هنا لا يعنى فقط الصين، وهو توجه يقلق الغرب، كما سيكون هناك اختلاف تام في شكل العولمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء في توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم الأول والثانى والثالث.
ويرى محى الدين أننا نمر الآن بمرحلة فراغ عالمى، لا يقاد من أي جهة، ولا يمكن لأى دولة أو مجموعة دول السيطرة، ويشهد النظام العالمى حاليا مجموعة كبيرة من الأزمات والمشكلات، أولها الأزمة الصحية، وأزمة ركود الاقتصاد العالمى، وأزمة الديون، والأزمة المالية، ومشكلات تتعلق بأسواق السلع الغذائية والنفط، وهى الأسواق التى تعانى بشدة الآن.
وأكد محى الدين أن دول العالم لم تستفد من أزمات الجوائح الصحية السابقة مثل أنفلوانزا H1N1، رغم وجود توصيات دولية بالاهتمام بالرعاية الصحية، لافتا إلى أن الدراسات الخاصة بتقييم المخاطر خاصة التي تصدرها شركات التأمين العالمية وضعت أخطار الأمراض والأوبئة في مرتبة متأخرة بين الثامنة والعاشرة، وهو ما يشير إلى تغييره بالكامل خلال المرحلة المقبلة.
ولا يرى محى الدين ما وصفه بـ"الوضع التعيس" للنمو الاقتصادى عالما مستغربا، لأنه لم يكن جيدا قبل الأزمة بسبب تراجع حركة التجارة خاصة مع الحرب التجارية العالمية التي أثرت سلبا بشكل كبير، ومعدل النمو العالمى كان أقل من المستهدف، وهو ما يعنى أن الوضع الاقتصادى العالمى كان في منتهى الهشاشة – على حد تعبيره – وانتظر صدمة تدفعه نحو الركود.
وعلق محى الدين على أزمة أسواق المال، مؤكدا أنها ليست أزمة تمويل، ولكنها أزمة سببها صدمة عرض وطلب نتيجة أزمة صحية بالأساس، لافتا إلى أنها تعطى مؤشرات للتعافى من عدمه، وهو ما ظهر عندما أقرت الدول حزم تحفيزية لتنشيط اقتصاداتها وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أقرت حزمة ضخمة قيمتها 2.5 تريليون دولار، مؤكدا أنه إذا لم يكن الاقتصاد الحقيقى سليم، فسيحدث خروج من أسواق المال.
وتطرق محى الدين للحديث عن هبوط أسواق النفط، والتي ترتبط بجانب العرض واستشراف ما سيحدث وبالتالي جانب الطلب، مطالبا مصر بالتفكير في عقود شراء طويلة الأجل للنفط، مشيرا إلى أن مصر يمكن أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط العالمية باعتبارها مستوردا، حيث تتراجع أسعار البنزين وتستفيد القطاعات الإنتاجية، ولكن على الجانب الآخر ستتضرر نتيجة تأثر تحويلات العاملين بالخارج وتراجع الصادرات إلى المنطقة.
وعن أزمة الديون، يشير محى الدين إلى أنها ليست بجديدة وقد كانت بالفعل في طى التكوين، حيث وصلنا لأرقام غير مسبوقة في حجم خدمة الدين ونسبة الدين إلى الدخل القومى، مؤكدا على وجود مشكلة إدارة دين على المستوى العالمى من قبل الأزمة الحالية.
ويخشى محى الدين من دخول العالم في أزمة جديدة هي أزمة الغذاء، لافتا إلى أن الأزمة الحالية تختلف كثيرا عن الأزمات السابقة في 2008 و2010، فنحن الآن نعانى من مشكلة عرض نتيجة انتشار فيروس كورونا، وهو ما يتطلب وجود ما أطلق عليه "قنوات خضراء" تسمح بانتقال البضاعة وعمل الاقتصاد في الوقت الذى يجب أن نلتزم فيه بالتباعد.
وحذر محى الدين من قيام الدول بغلق صادراتها، واصفا إياه بأخطر ما يمكن فعله، لأنه قليل من الدول يمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يتطلب تنسيقا عالميا حتى لا تحدث أزمة كبيرة جدا.
وعلق محى الدين عن توقعات النمو الاقتصادى في مصر، مؤكدا أنه لا يجب العمل على افتراضات غير واقعية لمعدل النمو، حيث يجب أن تنخفض إلى النصف على الأقل، بما يعنى أنه إذا كانت التقديرات الأولى للنمو 5% فيجب أن تكون التقديرات بعد الأزمة 2.5%، لافتا إلى أن هذا الأمر كان سابقا على إعلان مرحلة الركود في الاقتصاد العالمى.
وشدد على أهمية التركيز بشكل جدى على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى رأسها الاهتمام بالرعاية الصحية، والتعليم، ومكافحة الفقر، وهى أكثر الدروس المستفادة من الأزمة، مطالبا الحكومة المصرية بوضع أولوية للتأمين الصحى الشامل وتطبيقه في جميع المحافظات وليس على سبيل التجريب.
وقال أن دعم القطاع الصحى في مصر لا يجب أن يقل عن 1.5% من الدخل القومى، وهو ما يعنى حاجتنا لنحو 50 – 70 مليار جنيه إضافية للإنفاق