اقترح محمود محيي الدين المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، 6 تدابير واقعية ومجربة بوسعها تحفيز تحويلات المغتربين إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في ظل أزمل التمويل المرافقة لجائحة كورونا.
ويتوقع محيي الدين أن تعاني دولا عدة من انخفاض حاد يصل إلى 100 مليار دولار في حجم ما تستقبله من تحويلات لعامليها في الخارج، ما يفاقم من أزمة السيولة في ظل تراجع منتظر للاستثمار الأجنبي بنسبة تصل إلى 37%.
وتمثل تلك الاقتراحات، حلا يحتاج إلى تنفيذ عاجل بالنظر إلى مدى اعتماد عدة الدول على التحويلات كمصدر رئيسي للنقد الأجنبي، مثل مصر.
وفيما يلي نص مقال محيي الدين الذي كتبه بالتعاون مع ديليب راثا كبير خبراء الاقتصاد والهجرة والتحويلات في البنك الدولي ونشر على موقع معهد بروكنجز الأمريكي:
100 مليار دولار تراجع متوقع في تحويلات المغتربين
في عام 2019 قفزت تحويلات المغتربين حول العالم إلى مستوى قياسي بلغ 554 مليار دولار، لتتفوق على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
كانت هذه التحويلات أكبر وأكثر استقرارًا من الاستثمار الأجنبي المباشر في الهند، ومن صادرات النفط في المكسيك، ومن إيرادات السياحة في كل من مصر ونيبال وتونس.
وفي عام 2020، من المتوقع أن تؤدي الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد 19 (كورونا المستجد) إلى انخفاض نسبته 20% في تدفقات تحويلات المغتربين إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
بل أن انخفاض تدفقات التحويلات سيكون أكثر حدة في البلدان الأفقر والأكثر هشاشة وتلك المتأثرة بالصراعات.
37% انخفاض متوقع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر
وفقًا للبنك الدولي، يمكن أن تعاني البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من انخفاض في تدفقات تحويلات المغتربين بأكثر من 100 مليار دولار، بالإضافة إلى انخفاض متوقع قدره 200 مليار دولار (37%) في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2020.
ويمكن أن يتسبب هذا الانخفاض الشامل في التمويل الخارجي، خاصة مع الانخفاض الكبير في استثمارات المحافظ (الأسهم والسندات)، في مصاعب للدول بالنسبة لإدارة احتياجاتها من المدفوعات الخارجية للواردات الأساسية وخدمة الديون الأجنبية.
كذلك، ارتفعت مخاطر وقوع الأسر في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي، إذ يقدر البنك الدولي أن 40 إلى 60 مليون شخص قد يٌدفعون إلى الفقر المدقع.
وقد أطلقت العديد من الدول والمنظمات نداءات للعمل على سياسات تحفظ تدفق تحويلات المغتربين.
ومن بين تلك الدول سويسرا والمملكة المتحدة، إلى جانب الإكوادور ومصر والسلفادور وجامايكا والأردن والمكسيك ونيجيريا وباكستان وسيراليون واليمن وزيمبابوي.
أما المنظمات فضمت منصة تنمية الشتات بين أفريقيا وأوروبا(ADEPT) ، والرابطة الدولية لشبكات تحويل الأموال، وغرفة التجارة الدولية، والمنظمة الدولية للهجرة، ومنتدى المهاجرين في آسيا، وصندوق الأمم المتحدة لتنمية رأس المال، والبنك الدولي.
ودعا هؤلاء جميعا صناع السياسات إلى إعلان خدمات التحويلات كخدمات ضرورية مع تسهيل وتوسيع قنوات التحويلات الرقمية.
في 28 مايو الماضي، نظم الأمين العام للأمم المتحدة ورئيسا وزراء كندا وجامايكا حدثا رفيع المستوى بشأن تمويل التنمية في عصر كوفيد 19 وما بعده، حيث ناقش أكثر من 50 رئيس دولة انخفاض تدفقات رأس المال وتحويلات المغتربين، فضلا عن قضايا تمويل التنمية في هذه المرحلة الحرجة وإدارة الديون، وهي جميعها قضايا تؤثر على مليارات البشر.
مع احتدام الأزمة الاقتصادية العالمية وتوتّر المالية العامة في كل مكان، لن يكون إيجاد حلول التمويل أمرًا سهلاً على الأقل، سيحتاج الأمر إلى الإبداع والابتكار والشراكات المبتكرة مع القطاع الخاص.
بناءً على عملنا السابق، فيما يلي بعض التدابير القابلة للتنفيذ للحفاظ على تدفق تحويلات المغتربين وتمويل التنمية:
- الائتمان الضريبي
يمكن تقديم ائتمان ضريبي (*إعفاء جزئي) لمقدمي خدمة التحويلات بما يعادل تخفيض الرسوم التي يدفعها مرسلو ومتلقو التحويلات.
حدث هذا بالفعل خلال مبادرة التحويلات الباكستانية التي تم إطلاقها استجابة للأزمة المالية العالمية في عام 2009.
وعلى العكس، يجب أن تتجنب الدول المصدرة والمستقبلة للتحويلات فرض الضرائب على التحويلات.
- زيادة التنافسية
زيادة تنافسية السوق في قطاع التحويلات المالية لدى العديد من البلدان حول العالم شراكات حصرية، مما يعوق المنافسة في السوق ويفرض ضريبة بحكم الواقع على مرسلي ومتلقي التحويلات.
نحن بحاجة إلى فتح شراكات بين مكاتب البريد الوطنية والبنوك وشركات تحويل الأموال.
يجب علينا أيضًا تشجيع قابلية التشغيل البيني (*قدرة مختلف أنظمة المعلومات والتطبيقات على الوصول إلى البيانات وتبادلها ودمجها واستخدامها بشكل تعاوني بطريقة منسقة توافقية) لتقنيات التحويلات المالية من أجل المساعدة على زيادة حجم التحويلات وخفض تكاليفها.
- استخدام التقنيات الرقمية
استخدام التقنيات الرقمية وتفعيل متطلبات “اعرف عميلك” (KYC) الكافية والملائمة والمستندة إلى المخاطر.
يمكن أن يساعد ذلك في معالجة ممارسات de-risking “إزالة المخاطر” من قبل بنوك المراسلة، حيث لا تزال هذه الممارسات تؤثر على الوصول إلى الحسابات المصرفية لأنشطة تحويل الأموال التي تعمل في قنوات التحويلات الأصغر والأفقر.
- (إزالة المخاطر: ظاهرة المؤسسات المالية التي تنهي أو تقيد العلاقات التجارية مع العملاء أو فئات العملاء لتجنب المخاطر بدلاً من إدارتها).
(*بنوك المراسلة: بنوك تقدم خدماتها نيابة عن مؤسسات مالية أخرى، ويمكنها تسهيل التحويلات وإجراء المعاملات التجارية وقبول الودائع وغيرها من الخدمات، وعادة ما تستخدم البنوك المحلية بنوك المراسلة لخدمة المعاملات التي تنشأ أو تكتمل في دول أجنبية).
- سندات الشتات
يحتاج المقترضون (الدولة المقترضة) إلى الابتكار وتعزيز الائتمان خلال هذه الفترة التي يتزايد فيها النفور الشديد من المخاطر، حتى عندما تواجه الكيانات ذات التصنيف الاستثماري في الأسواق الناشئة صعوبات في الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
يميل الشتات (المغتربون) من العديد من البلدان النامية إلى أن يكون لديهم تصور أكثر إيجابية لمخاطر دولهم مقارنة بالمستثمرين المؤسسيين.
يمكن تعبئة مدخرات هؤلاء الشتات، وخاصة تلك التي يتم الاحتفاظ بها كودائع مصرفية منخفضة الفائدة، من خلال إصدار سندات الشتات.
_(سندات الشتات: سندات سيادية تستهدف المغتربين في الخارج وعادة ما تكون بسعر فائدة أقل من السندات السيادية التي تباع للمستثمرين من المؤسسات الأجنبية).
جمعت عدة دول مليارات الدولارات من التمويل من خلال سندات الشتات.
- تحويلات المغتربين كضمانات للاقتراض
استخدام التدفقات المستقبلية، بما في ذلك تدفقات تحويلات المغتربين، كضمانات يمكنها تسهيل إصدار السندات خلال الأزمة المالية.
بعد الزيادة الحادة في تكاليف الاقتراض في عام 2002، جمعت البرازيل أكثر من 4 مليارات دولار من خلال إصدار سندات مدعومة بحقوق دفع متنوعة.
وبحسب البنك الدولي، كانت تكلفة هذه السندات أقل، مما وفر أكثر من 700 نقطة أساس مقارنة بالسندات السيادية للبرازيل.
- جمع البيانات وتحليلها
يمثل تدشين جهد دولي منظم لتحسين البيانات المتعلقة بتحويلات المغتربين أولوية متوسطة الأجل.
منذ نشر المبادئ التوجيهية لصندوق النقد الدولي بشأن إحصاءات تحويلات المغتربين في عام 2009، تحسنت البيانات المتعلقة بالتحويلات بشكل ملحوظ.
ومع ذلك ، لاتزال العديد من بلدان المصدر لا تُبلغ عن بيانات تدفقات التحويلات الخارجية.
ولا توجد بيانات عن التدفقات الثنائية للتحويلات بين البلدان وحجم التدفقات عبر القنوات المختلفة (مثل البنوك ، وشركات الخدمات المالية ، والقنوات غير الرسمية) والأدوات (مثل المعاملات النقدية أو المعاملات عبر الإنترنت).
من زاوية تمويل التنمية، أصبحت البيانات المتعلقة بالتحويلات الآن من الاعتبارات الرئيسية في تقييم الديون والاستدامة المالية للدول النامية.
إطار مؤسسي دولي
ومع ذلك ، فإن تنفيذ هذه التدابير بطريقة فردية وغير منسقة، لن يكون له أي تأثير كبير على تدفق التحويلات المالية.
ومن أجل تنفيذ هذه التدابير القابلة للتنفيذ وغيرها من الدعوات الأوسع نطاقا لتعزيز التمويل، سيكون من المثالي العمل ضمن سياسة وإطار مؤسسي فعال ومتماسك.
يجب تصميم إطار عام يقلل تكاليف التحويلات ويزيد حجم تدفقها مع دعم أجندة التحويلات الدولية الأوسع نطاقاً بما في ذلك الابتكار في سوق الحوالات العالمية والاستفادة من الحوالات المالية لتحسين إقراض المستهلكين والشركات، والادخار الجزئي والتأمين الصغير.