أكدت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "موديز" على نظرتها المستقبلية المستقرة للقطاع المصرفي المصري، حيث أرجعت ذلك إلى زخم نمو الناتج المحلي في البلاد، والذي تتوقع أن يصل إلى 5.8 % في العام الحالي، كما عززت هذه النظرة مستويات السيولة العالية ومبادرات التمويل الحكومية لقطاعات ضخمة مثل الصناعة والسياحة، بالتزامن مع خفض أسعار الفائدة التي تدعم بدورها نمو الائتمان وتنشيط الاقتصاد.
وفي المقابل، أكد التقرير الصادر عن "موديز" أن العوامل السابقة وإن كانت تصبّ في اتجاه نمو أرباح البنوك المصرية، إلا أن عوامل سلبية قد تمثل رياحا عكسية لذلك النمو، تتمثل في ارتفاع الضرائب المفروضة عليها إلى جانب الضغط على هامش الإيرادات بسبب خفض معدلات الفائدة، في ظل استمرار مخاطر العقبات البيروقراطية والتوترات الجيوسياسية والأمنية داخليا وفي المنطقة.
وتوقع التقرير استقرار هيكل القطاع المصرفي خلال الفترة المقبلة في ظل سيطرة البنوك الحكومية على حصص سوقية كبيرة، حيث يستحوذ البنك الأهلي وبنك مصر على حصص سوقية تصل إلى 29% و18% على التوالي، أي تتخطى نصف الحصة السوقية للقطاع، الذي يتضمن 33 بنكا و5 فروع لبنوك أجنبية.
وأشار التقرير إلى أن قانون البنوك الجديد الذي يفرض رفع الحد الأدنى لرأس المال 10 أضعاف من مستواه الحالي إلى 5 مليارات جنيه (نحو 317 مليون دولار)، سيكون أكثر العوامل تأثيراً في رسم هيكل القطاع خلال الفترة المقبلة.
الأرباح ستنمو بمعدل أكبر
وتوقع التقرير أن يكون معدل نمو الربحية للبنوك المصرية في العام 2020 أكبر من السنة الماضية. وأرجع ذلك إلى تأثر الفترة السابقة بعوامل ضغط، أبرزها الارتفاع الكبير للفائدة على الودائع، والذي وصل إلى 20 % ما زاد من مستويات السيولة لدى البنوك.
في المقابل، هناك ضغط آخر عاشته البنوك في الفترة السابقة جاء من ارتفاع تكلفة الفوائد، حيث أدى ذلك إلى زيادة معدل الفائدة على القروض، وبالتالي تراجع في أنشطة الائتمان الذي انعكس بدوره على نمو الأرباح، وبخاصة لدى البنوك الحكومية.
ويتوقع خلال العام 2020 أن تنمو الربحية بمعدلات جيدة في ظل التراجع الحاد في معدلات الفائدة التي أدت إلى تنشيط الائتمان وخفض تكلفة الفوائد، بالإضافة إلى الزخم الذي تشهده المشروعات الحكومية العملاقة.
الاقتصاد سيصبح أكثر تنوعاً
وذكرت وكالة "موديز" أن قوة الاقتصاد المصري وصلت إلى مستوى "A3" مدعومة بتنوع الاقتصاد وتحسين القدرة التنافسية السعرية. كما أن تعويم الجنية المصري وتطوير حقل "ظهر" للغاز يدعم النشاط الاستثماري في قطاعات الطاقة وغير الطاقة. وأشارت إلى أن الاقتصاد سيصبح أكثر تنوعا مع توقع زيادة إيرادات الدولة من العملات الأجنبية في ظل اكتشافات الغاز وتصدير إنتاج الحقل، بالإضافة إلى توقع تدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وترى "موديز" أن زخم النمو يزداد وسيصل إلى 6% بحلول عام 2021 نتيجة لتطبيق بعض التشريعات وتعديل قوانين الاستثمار وتحسين آلية تخصيص الأراضي، الأمر الذي من شأنه خفض معدل البطالة الذي وصل إلى 7.5% في يونيو (حزيران) 2019، علما بأنه أدنى مستوى له منذ عقود عدة.
واعتبرت "موديز" أن هذه العوامل ستوفر درجة من القدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية ومواجهة التحديات التي تشمل النمو السكاني السريع وارتفاع معدلات البطالة، بخاصة بين الشباب، التي من الممكن أن تشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي وانعكاسها على تحسين تصنيفات القدرة التنافسية للبلاد.
تأثير سياسات "المركزي"
وصنفت وكالة موديز القوة المؤسسية لمصر عند تصنيف "B"، ويعتمد هذا التصنيف على مؤشرات الحوكمة العالمية كنقطة انطلاق. واحتلت مصر المرتبة 21 من بين الدول التي صنفتها ضمن فئة الفعالية الحكومية وبنسبة 26% في السيطرة على الفساد، وبنسبة 31% لقوة تطبيق القانون وذلك خلال العام 2018.
ويعكس هذا التقييم الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية على مدار السنوات الثلاث الماضية منذ بدء التعويم.
مخاطر البطالة والديون
وأشار التقرير إلى أن البطالة والديون تعد أكثر المخاطر تهديدا لنمو الاقتصاد المصري، حيث قالت "موديز" إن تصنيفها للمخاطر عند BA مدفوع بتقييم المخاطر السياسية والسيولة الحكومية، إذ أكدت أن انعكاس الإصلاح الاقتصادي والتدابير الحكومية لتوزيع العائدات القوية وتوفير فرص عمل لعدد كبير من الأفراد سوف يقلل من المخاطر.
وفيما يتعلق بمخاطر السيولة الحكومية ستبقى الديون المطلوب سدادها في حدود 30% إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وبالنسبة إلى المخاطر الخارجية، فأكدت الوكالة أنها ضعيفة في ظل عجز الحساب الجاري الذي يتراوح بين 2% إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وسيتم تغطتية من خلال تدفق الاستثمارات الأجنبية، كما أن استئناف تصدير الغاز الطبيعي في عام 2019 دعم الموقف الخارجي، بالإضافة إلى زيادة الاحتياطي الأجنبي لمصر.
الاقتراض ليس سهلاً
وعلى الرغم من تراجع مستويات المديونية لدى الشركات والأفراد، فإن شروط الائتمان من البنوك والحصول على قرض تبقى صعبة، حيث صنفتها "موديز" عند -2، وأرجعت ذلك إلى عدم وجود قاعدة بيانات مالية حديثة ومدققة، بخاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويعتمد القطاع المصرفي المصري على ودائع القطاع العائلي الذي يمثل 69% من إجمالي الودائع، والتي تمثل 71% تقريبا من حجم الأصول. وتعتمد الودائع بشكل كبير على تحويلات العاملين بالخارج التي وصلت إلى 25.2 مليار دولار في العام الماضي.